کد مطلب:167957 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:147

کلمة الحق الجریئة تزلزل قصر الخبال و الضلال
روی ابن أعثم الكوفی: (قال: فأُدخل مسلم بن عقیل علی عبیداللّه بن زیاد فقال له الحرسی: سلّم علی الامیر!

فقال له مسلم: أُسكت لاأُمَّ لك! مالك وللكلام!؟ واللّه لیس هو لی بأمیرٍ فأسلّم علیه! [1] وأخری فیما ینفعنی السلام علیه وهو یرید قتلی!؟ فإن استبقانی فسیكثر علیه سلامی! [2] .

فقال له عبیداللّه بن زیاد: لاعلیك! سلّمتَ أم لم تسلّم، فإنك مقتول!

فقال مسلم بن عقیل: إن قتلتنی فقد قتل شرُّ منك من كان خیراً منّی!


فقال له ابن زیاد: یا شاقّ! یا عاقّ! خرجتَ علی إمامك وشققت عصا المسلمین وألقحتَ الفتنة!

فقال مسلم: كذبتَ یا ابن زیاد! واللّه ما كان معاویة خلیفة بإجماع الامّة، بل تغلّب علی وصیّ النبیّ بالحیلة، وأخذ عنه الخلافة بالغصب، وكذلك ابنه یزید! وأمّا الفتنة فإنك ألقحتها أنت وأبوك زیاد بن علاج من بنی ثقیف! وأنا أرجو أن یرزقنی اللّه الشهادة علی یدی شرّ بریّته! فواللّه ما خالفت ولاكفرتُ ولابدّلتُ! وإنّما أنا فی طاعة أمیرالمؤمنین الحسین بن علی، بن فاطمة بنت رسول اللّه (ص)، ونحن أولی بالخلافة من معاویة وابنه وآل زیاد!

فقال له ابن زیاد: یا فاسق! ألم تكن تشرب الخمر فی المدینة!؟ [3] .

فقال مسلم بن عقیل: أحقُّ واللّهِ بشرب الخمر منّی من یقتل النفس الحرام (ویقتل علی الغضب والعداوة والظنّ) وهو فی ذلك یلهو ویلعب كأنه لم یصنع شیئاً!

فقال له ابن زیاد: یا فاسق! منّتك نفسك أمراً أحالك اللّه دونه وجعله لاهله!


فقال مسلم بن عقیل: ومن أهله یا ابن مرجانة!؟ [4] .

فقال: أهله یزید ومعاویة!

فقال مسلم بن عقیل: الحمدُ للّه، كفی باللّه حكماً بیننا وبینكم!

فقال ابن زیاد لعنه اللّه: أتظنّ أنّ لك من الامر شیئاً!؟

فقال مسلم بن عقیل: لاواللّه ماهو الظنّ ولكنه الیقین!

فقال ابن زیاد: قتلنی اللّه إن لم أقتلك!

فقال مسلم: إنّك لاتدع سوء القتلة وقبح المُثلة وخبث السریرة! [5] واللّه لو كان معی عشرة ممّن أثق بهم، وقدرتُ علی شربة من ماءٍ لطال علیك أن ترانی فی هذا القصر! ولكنْ إن عزمت علی قتلی ولابدّ لك من ذلك فأقم إلیَّ رجلاً من قریش أوصی إلیه بما أُرید.

فوثب [6] إلیه عمر بن سعد بن أ بی وقّاص، فقال: أوصِ إلیَّ بما ترید یا ابن


عقیل! ( [7] فقال له مسلم: أوصیك بتقوی اللّه، فإنّ التقوی درك كلّ خیر، ولی إلیك حاجة!

فقال عمر: قل ما أحببت.

فقال: حاجتی إلیك أن تستردّ فرسی وسلاحی من هؤلاء القوم فتبیعه، وتقضی عنی سبعمائة درهم استدنتها فی مصركم هذا، وأن تستوهب جثّتی إن قتلنی هذا الفاسق!، فتوارینی فی التراب، وأن تكتب للحسین: أن لایقدم فینزل به ما نزل بی!

فقال عمر بن سعد: أیّها الامیر! إنّه یقول كذا وكذا! [8] .

فقال ابن زیاد: یا ابن عقیل! أمّا ما ذكرتَ من دَینك فإنّما هو مالك تقضی به دینك، ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحببت، وأمّا جسدك فإنّا إذا قتلناك فالخیار لنا، ولسنا نبالی ما صنع اللّه بجثّتك! [9] وأمّا الحسین فإنه إن لم یُردنا لم نرده، وإن ارادنا


لم نكفّ عنه!)، ولكنّی أرید أن تخبرنی یا ابن عقیل، بماذا أتیت الی هذا البلد!؟ شتّت أمرهم، وفرّقت كلمتهم، ورمیت بعضهم علی بعض!

فقال مسلم بن عقیل: لیس لذلك أتیت هذا البلد، ولكنّكم أظهرتم المنكر، ودفنتم المعروف، وتأمّرتم علی الناس من غیر رضا، وحملتموهم علی غیر ما أمركم اللّه به، وعملتم فیهم بأعمال كسری وقیصر، فأتیناهم لنأمر فیهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، وندعوهم إلی حكم الكتاب والسُنَّة، وكنّا أهل ذلك، ولم تزل الخلافة لنا منذ قُتل أمیرالمؤمنین علی بن ابی طالب، ولاتزال الخلافة لنا، فإنّا قُهرنا علیها، لانكم أوّل من خرج علی إمام هدیً، وشقّ عصا المسلمین، وأخذ هذا الامر غصباً، ونازع أهله بالظلم والعدوان! ولانعلم لنا ولكم مثلاً إلاّ قول اللّه تبارك وتعالی: (وسیعلم الذین ظلموا أیّ منقلب ینقلبون)... [10] فجعل ابن زیاد یشتمُ علیّاً والحسن والحسین رضی اللّه عنهم!

فقال له مسلم: أنت وأبوك أحقّ بالشتیمة منهم! فاقض ما أنت قاض! فنحن أهل بیت موكول بنا البلاء!

فقال عبیداللّه بن زیاد: إلحقوا به إلی أعلی القصر فاضربوا عنقه، وألحقوا رأسه جسده! [11] .

فقال مسلم رحمه اللّه: أما واللّه یا ابن زیاد! لو كُنتَ من قریش أو كان بینی


وبینك رحم أو قرابة لما قتلتنی، ولكنّك ابن أبیك!

قال: فأدخله ابن زیاد القصر، ثُمّ دعا رجلاً من أهل الشام قد كان مسلم بن عقیل ضربه علی رأسه ضربة منكرة، فقال له: خُذ مسلماً واصعد به إلی أعلی القصر، واضرب عنقه بیدك لیكون ذلك أشفی لصدرك!). [12] .


[1] نقل الطريحي أنّ مسلماًعليه السلام حينما دخل ديوان القصر علي ابن زياد قال له القوم سلّم علي الامير! فقال: (السلام علي من اتّبع الهدي، وخشي عواقب الردي، وأطاع الملك الاعلي..) (المنتخب: 427، المجلس التاسع من الجزء الثاني).

[2] يستشعر العارف بالعزّة الهاشمية أنّ هذه العبارة: (فإن استبقاني فسيكثر سلامي عليه!) كما تتنافي مع الاباء الهاشمي تتنافي أيضاً مع معرفة مسلم عليه السلام التامّة بنفسية ابن زياد كما ستكشف عن ذلك بقيّة المحاورة بينهما بل إنّ هذه العبارة تجسيد لسذاجة قد افتعلها بعض المؤرخين علي مسلم عليه السلام، واين هي من سلامه العزيز الابيّ: (السلام علي من اتبع الهدي وخشي عواقب الردي واطاع الملك الاعلي) الذي نقلناه عن الطريحي!؟ ومن الغريب المؤسف أن تلك العبارة قد رواها أيضاً أو مايشابهها الطبري في تأريخه 3:290؛ والمفيد في إرشاده:198؛ وابو الفرج في مقاتل الطالبيين: 70 والدينوري في الاخبار الطوال: 240 وغيرهم.

[3] هذه سُنّة الطواغيت وأجهزتهم الاعلامية في تشويه سمعة كلّ ثائر للحقّ في وجوههم، فتهمة الخمر والقمار والزنا وماهو أقبح من ذلك! أوّل قذائف الطغاة لاسقاط سمعة الثائرين وفي رواية الطبري، 3:291 أنّ مسلماًعليه السلام أجاب ابن زياد قائلاً: (أنا أشرب الخمر!؟ واللّه إنّ اللّه ليعلم أنك غير صادق، وأنك قلت بغير علمٍ، وأني لست كما ذكرتَ، وإنّ أحقّ بشرب الخمر منّي وأولي بها من يلغ في دماء المسلمين ولغاً فيقتل النفس التي حرّم اللّه قتلها، ويقتل النفس بغير النفس، ويسفك الدم الحرام، ويقتل علي الغضب والعداوة وسوء الظنّ، وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئاً!).

[4] الانتقال هنا إلي مخاطبة ابن زياد بأمّه مرجانة إلتفاتة ذكية من مسلم عليه السلام وفي موضعها تماماً، لما اشتهرت به مرجانة من الزنا وعدم العفاف! حتّي لايُلحق عبيداللّه نفسه فيمن يدّعي أنهم أهل هذا الامر!.

[5] في تاريخ الطبري، 3:291 إضافة (ولؤم الغلبة!).

[6] في تأريخ الطبري، 3:290 (قال: فدعني أوصِ إلي بعض قومي. فنظر إلي جلساء عبيداللّه وفيهم عمر بن سعد، فقال: ياعمر، إنّ بيني وبينك قرابة، ولي إليك حاجة، وقد يجب عليك نجح حاجتي وهو سرُّ. فأبي أن يمكّنه من ذكرها! فقال له عبيداللّه: لاتمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك! فقام معه، فجلس حيث ينظر إليه ابن زياد..).

وفي الارشاد:198: (فامتنع عمر أن يسمع منه! فقال له عبيداللّه: لِمَ تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك! فقام معه، فجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد..).

وفي مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1:305 وهو ينقل عن ابن أعثم الكوفي نفسه، لاتوجد كلمة (فوثب إليه عمر بن سعد..)! بل فيه: (ثمّ نظر مسلم إلي عمر بن سعد بن أبي وقّاص فقال له: إنّ بيني وبينك قرابة فاسمع منّي. فامتنع! فقال له ابن زياد: ما يمنعك من الاستماع لابن عمّك!؟ فقام عمر إليه، فقال له مسلم: أوصيك بتقوي اللّه...).

[7] ما بين القوسين مأخوذ عن مقتل الحسين عليه السلام؛ للخوارزمي، لانه ينقل ذلك عن كتاب ابن أعثم الكوفي نفسه، ولانّ ما ينقله اصفي وأنقي من اضطراب نسخة الفتوح التي ننقل عنها.

[8] في تاريخ الطبري، 3:291: (فقال له: إنّ عليَّ بالكوفة ديناً استدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عنّي، وانظر جثّتي فاستوهبا من ابن زياد فوارها، وابعث إلي حسين من يردّه فإنّي قد كتبتُ إليه أُعلمه أنّ الناس معه، ولاأراه إلاّ مقبلاً! فقال عمر لابن زياد: أتدري ما قال لي؟ إنه ذكر كذا وكذا! قال له ابن زياد: إنه لايخونك الامين ولكن قد يؤتمن الخائن!).

[9] كثيراً مايُلفتُ الانتباه أسلوب الامويين وعمّالهم في التعبير عن أعمالهم بأنها عمل اللّه! والايحاء للنّاس بأنّ حكمهم النّاس من أمر اللّه فلايُعترض عليه! هاهو ابن زياد لايقول ما صنعنا بجثّتك، بل يقول: ما صنع اللّه بجثتك!.

[10] سورة الشعراء: 227.

[11] وهنا قال مسلم عليه السلام علي رواية الطبري: (يا ابن الاشعث! أما واللّه لولاأنّك آمنتني ما استسلمتُ! قم بسيفك دوني فقد أُخْفِرَتْ ذمّتك!) (تأريخ الطبري، 3:291).

[12] الفتوح، 5 :97-103؛وانظر: مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي، 1 :304-306.